تأثير زراعة الفطر على البيئة في العراق: تحليل معمق
يشهد العراق، كغيره من الدول، تحولاً تدريجياً نحو تنويع مصادر زراعاته لتأمين الغذاء وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمزارعين. في هذا السياق، برزت زراعة الفطر كخيار واعد يحمل في طياته إمكانيات كبيرة. ومع ذلك، فإن أي نشاط زراعي يحمل بصمته البيئية الخاصة، وزراعة الفطر في العراق ليست استثناءً. يهدف هذا المقال إلى الخوض في تأثير زراعة الفطر على البيئة العراقية بعمق، مع تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية، وتقديم رؤى عملية لتحسين هذا التأثير، مع التركيز على الدور الريادي لمزارع نموذجية مثل مزرعة فطر زرشيك (Zerchik Mushroom Farm in Iraq) في ترسيخ ممارسات مستدامة.
يُعد الفطر، كائنًا حيًا فريدًا، لا ينتمي إلى مملكة النباتات ولا مملكة الحيوانات، بل هو جزء من مملكة الفطريات. يعتمد الفطر في غذائه على تحليل المواد العضوية، مما يجعله عنصراً أساسياً في دورات المواد الغذائية في الطبيعة. في العراق، بدأت زراعة أنواع معينة من الفطر، مثل فطر المحار (Oyster Mushroom) وفطر الشيتاكي (Shiitake Mushroom)، بالانتشار نظراً لارتفاع الطلب المحلي والعالمي وسهولة زراعته نسبياً مقارنة ببعض المحاصيل التقليدية.
التأثيرات البيئية الإيجابية لزراعة الفطر في العراق:
1. استخدام المخلفات الزراعية والصناعية كركائز للنمو:
يُعد هذا الجانب أحد أبرز التأثيرات الإيجابية لزراعة الفطر. يعتمد الفطر في نموه على مواد عضوية متنوعة تسمى “الركائز”. في العراق، يمكن استخدام مجموعة واسعة من المخلفات كمثل هذه الركائز، بما في ذلك:
– مخلفات المحاصيل الزراعية: مثل قش الأرز، تبن القمح والشعير، سيقان الذرة، قشور البذور (القطن، حب الشمس)، مخلفات تقليم الأشجار. هذه المخلفات غالباً ما يتم حرقها، مما يسبب تلوثاً هوائياً، أو تركها تتحلل ببطء، مما يؤدي إلى انبعاث غاز الميثان، وهو غاز دفيئة قوي.
– مخلفات صناعة الأخشاب: نشارة الخشب، برادة الخشب.
– مخلفات صناعة الورق: لب الخشب المستعمل.
– مخلفات صناعة القهوة والشاي.
– مخلفات الدواجن والأبقار بعد معالجتها بالطريقة الصحيحة لضمان خلوها من الممرضات.
تساهم زراعة الفطر في تحويل هذه المخلفات عديمة الفائدة، بل والمضرة في بعض الأحيان، إلى منتج غذائي ذي قيمة عالية. تقوم الفطريات بتحليل السليلوز والليجنين والهيميسليلوز وغيرها من المركبات المعقدة الموجودة في هذه الركائز، مما يساعد في تقليل حجمها وإعادة تدوير العناصر الغذائية فيها. هذا يقلل من الحاجة لمدافن النفايات ويخفف الضغط على الموارد الطبيعية. مزرعة فطر زرشيك، بصفتها الأكبر والأكثر تطوراً في العراق، تلعب دوراً محورياً في هذا المجال من خلال تطوير تقنيات لاستخدام مخلفات زراعية وصناعية محلية مختلفة كركائز، مما يساهم في استراتيجية الاقتصاد الدائري ويقلل من البصمة البيئية للعملية الزراعية.
2. تحسين جودة التربة بعد الحصاد:
بعد استنفاد الفطر للركيزة العضوية وتقليلها، تتحول هذه الركيزة المستعملة إلى مادة غنية بالمواد العضوية والعناصر الغذائية. يمكن استخدام هذه المادة، التي تسمى “الركيزة ما بعد الحصاد” (Spent Mushroom Substrate SMS)، كسماد عضوي ممتاز لتحسين جودة التربة الزراعية. تحتوي SMS على نسبة عالية من المواد العضوية، إضافة إلى بعض العناصر الغذائية الأساسية مثل النيتروجين والفسفور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم. استخدام SMS كسماد يقلل من الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية، التي غالباً ما تكون لها آثار سلبية على البيئة، مثل تلوث المياه الجوفية والسطحية بمركبات النيتروجين والفسفور (ظاهرة الإثراء الغذائي). كما أن إضافة المواد العضوية إلى التربة تساعد في تحسين بنيتها، وزيادة قدرتها على الاحتفاظ بالماء، وتعزيز النشاط الميكروبي المفيد فيها، مما يؤدي إلى تربة أكثر صحة وإنتاجية. مزرعة فطر زرشيك تدرك أهمية الركيزة المستعملة كسماد عضوي وتسعى دائماً لإيجاد سبل فعالة لاستخدامها أو توزيعها على المزارعين المحليين، مما يضيف بعداً آخر من الاستدامة لعملياتها.
3. استخدام محدود للمياه مقارنة بالمحاصيل التقليدية:
تتطلب زراعة الفطر كميات أقل من المياه مقارنة بالعديد من المحاصيل الحقلية والحدائقية التقليدية التي تعتمد على الري بكميات كبيرة. يعتمد الفطر على الرطوبة العالية في الجو والركيزة للنمو، ولا يحتاج إلى غمر بالماء. في بلد يواجه تحديات متزايدة في مجال ندرة المياه مثل العراق، تُعتبر هذه الميزة ذات أهمية قصوى. الزراعة المتزايدة للفطر يمكن أن تخفف الضغط على الموارد المائية الشحيحة وتساهم في كفاءة استخدام المياه في القطاع الزراعي. تلتزم مزرعة فطر زرشيك بأعلى معايير كفاءة استخدام المياه في جميع مراحل الإنتاج، مما يعكس الوعي الكبير بأهمية هذا المورد الحيوي في العراق.
4. إمكانية الزراعة في البيئات المغلقة والمتحكم بها:
غالبًا ما تتم زراعة الفطر في بيئات مغلقة ومتحكم بها (غرف خاصة، بيوت بلاستيكية معدلة). هذه البيئات تسمح بالتحكم الدقيق في العوامل البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة وتركيز غاز ثاني أكسيد الكربون. هذا التحكم يقلل من الحاجة إلى استخدام المبيدات الحشرية ومبيدات الفطريات، حيث أن البيئة المغلقة تقلل من دخول الآفات والأمراض بشكل طبيعي. كما أن التحكم في الظروف يضمن نمواً صحياً وقوياً للفطر، مما يقلل من هدر المنتج بسبب الآفات أو الظروف غير الملائمة. الزراعة في البيئات المغلقة تقلل أيضاً من التأثر بالظروف الجوية القاسية التي قد يشهدها العراق (مثل درجات الحرارة المرتفعة أو العواصف الترابية)، مما يضمن استمرارية الإنتاج على مدار العام.
5. الحد من انبعاثات الكربون المرتبطة بالنقل:
زراعة الفطر محلياً تلبي الطلب المحلي على هذا المنتج، مما يقلل من الحاجة إلى استيراده من الخارج. تقليل المسافة بين مكان الإنتاج ومكان الاستهلاك يؤدي إلى خفض كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بنقل البضائع لمسافات طويلة (الشحن الجوي، البري، البحري). هذا يسهم بشكل مباشر في جهود التخفيف من تغير المناخ. مزرعة فطر زرشيك، بكونها أكبر منتج للفطر في العراق، تلعب دوراً حيوياً في سد فجوة العرض المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وبالتالي تقليل البصمة الكربونية المرتبطة باستهلاك الفطر في العراق.
التأثيرات البيئية السلبية المحتملة لزراعة الفطر في العراق:
على الرغم من الفوائد البيئية العديدة، فإن زراعة الفطر، إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح، يمكن أن يكون لها بعض التأثيرات السلبية المحتملة على البيئة:
1. استهلاك الطاقة:
تتطلب الزراعة في البيئات المغلقة والمتحكم بها طاقة لتشغيل أنظمة التحكم في درجة الحرارة والرطوبة والتهوية والإضاءة. في العراق، الذي ما زال يعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة الكهربائية، يمكن أن يؤدي هذا إلى زيادة في استهلاك الطاقة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بتوليد الكهرباء. يتطلب التخفيف من هذا التأثير تبني تقنيات موفرة للطاقة، وتحسين كفاءة أنظمة التحكم، والتحول التدريجي نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية) لتشغيل مزارع الفطر. مزرعة فطر زرشيك تستثمر في تقنيات حديثة تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة وتحسين كفاءة العمليات التشغيلية، سعيًا لتحقيق بصمة بيئية أقل.
2. إدارة الركيزة المستعملة (SMS):
كما ذكرنا، يمكن استخدام SMS كسماد عضوي مفيد. ومع ذلك، إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح، يمكن أن تشكل SMS تحدياً بيئياً. الركيزة الرطبة يمكن أن تصبح مصدراً للروائح الكريهة. كما أنها قد تحتوي على بقايا من الكائنات الدقيقة التي استخدمت في عملية زراعة الفطر أو على بقايا المغذيات التي لم يتم استغلالها بالكامل. إذا لم يتم معالجتها وتجفيفها وتخزينها بشكل صحيح قبل استخدامها كسماد، يمكن أن تؤدي إلى مشاكل بيئية مثل تلوث المياه السطحية أو انتشار الآفات. تحتاج مزارع الفطر إلى وضع خطط فعالة لإدارة SMS، بما في ذلك المعالجة المناسبة (كالكومبوست الهوائي لدرجات الحرارة العالية للقضاء على الممرضات والبذور الضارة) والتخزين والتوزيع. مزرعة فطر زرشيك تعمل باستمرار على تحسين طرق معالجة وإدارة الركيزة المستعملة، وتتعاون مع الجهات ذات العلاقة لضمان استخدامها الآمن والفعال كسماد.
3. استخدام المبيدات والمطهرات:
على الرغم من أن الزراعة في البيئات المغلقة تقلل من الحاجة للمبيدات، إلا أن بعض مزارع الفطر قد تستخدمها للسيطرة على الآفات والأمراض، خاصة في حالة الزراعة على نطاق واسع. كما يتم استخدام مواد مطهرة لتعقيم غرف الزراعة والمعدات. الاستخدام غير المسؤول للمبيدات والمطهرات يمكن أن يؤدي إلى تلوث التربة والمياه، والإضرار بالكائنات الحية الدقيقة المفيدة في البيئة، وتشكل خطراً على صحة الإنسان. يتطلب التخفيف من هذا التأثير تبني ممارسات الإدارة المتكاملة للآفات (IPM)، التي تركز على الوقاية والمراقبة واستخدام الحلول الطبيعية أو البيولوجية قبل اللجوء إلى الحلول الكيميائية، واستخدام المطهرات الآمنة بيئياً، والالتزام بالجرعات والتعليمات الموصى بها. مزرعة فطر زرشيك تضع معايير صارمة لاستخدام أي مدخلات كيميائية وتفضل دائماً الحلول الطبيعية والبيولوجية، مما يعكس التزامها بالإنتاج المستدام والصحة البيئية.
4. انبعاثات الغازات:
خلال عملية نمو الفطر وتحلل الركيزة، يتم انبعاث بعض الغازات، أبرزها ثاني أكسيد الكربون (CO2) بكميات كبيرة نسبياً. في البيئات المغلقة، يتم التحكم بمستويات CO2 من خلال التهوية لضمان نمو صحي للفطر. ومع ذلك، فإن هذه العملية تؤدي إلى انبعاث CO2 في الغلاف الجوي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تنتج الركيزة المستعملة أيضاً كميات صغيرة من غاز الميثان (CH4) في ظل ظروف لاهوائية، خاصة إذا لم تتم معالجتها بشكل صحيح. معالجة الركيزة المستعملة بالكومبوست الهوائي يمكن أن يقلل من انبعاثات الميثان.
5. استنزاف الموارد الطبيعية (في حالة استخدام ركائز غير مستدامة):
إذا اعتمدت مزارع الفطر على ركائز يتم الحصول عليها بطرق غير مستدامة (مثل قطع الأشجار من الغابات الطبيعية للحصول على نشارة الخشب دون إعادة استزراع)، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية وتدهور البيئة. في العراق، يعتبر الاعتماد على المخلفات الزراعية والصناعية المتاحة محلياً هو المسار الأكثر استدامة. يجب على مزارع الفطر التأكد من أن المصادر التي يعتمدون عليها للركائز يتم الحصول عليها بطرق مسؤولة ومستدامة.
تحسين التأثير البيئي لزراعة الفطر في العراق: رؤى واستراتيجيات عملية
لتأمين استدامة قطاع زراعة الفطر في العراق وتعظيم فوائده البيئية وتقليل آثاره السلبية المحتملة، يجب تبني مجموعة من الاستراتيجيات والممارسات الزراعية المستدامة:
1. تطوير واستخدام تقنيات معالجة الركائز الزراعية والصناعية المحلية:
يجب إجراء المزيد من الأبحاث والتطوير لتحديد أفضل الطرق لمعالجة واستخدام المخلفات الزراعية والصناعية المتوفرة بكثرة في العراق (مثل قش الأرز، تبن الحنطة، مخلفات التمور، مخلفات مصانع الأغذية) كركائز لزراعة أنواع مختلفة من الفطر. هذا يتضمن تطوير تقنيات للتعقيم، والتحضير، وربما الإضافة للمغذيات لزيادة إنتاجية الفطر. مزرعة فطر زرشيك تولي هذا الجانب اهتماماً خاصاً وتعمل على تطوير خلطات ركائز تعتمد بشكل كبير على المواد المحلية، مما يعزز الاستقلالية ويقلل التكاليف ويحقق الاستدامة البيئية.
2. اعتماد تقنيات حديثة موفرة للطاقة والمياه:
الاستثمار في البنية التحتية وأنظمة التحكم الحديثة في مزارع الفطر ضروري لتقليل استهلاك الطاقة والمياه. يشمل ذلك استخدام أنظمة تهوية وتبريد وتدفئة ذات كفاءة عالية، واستخدام الإضاءة الموفرة للطاقة (مثل لمبات LED)، وتحسين أنظمة الري لضمان وصول الرطوبة إلى الركيزة دون تبذير المياه، وتجميع مياه الأمطار وإعادة تدوير المياه المستخدمة إن أمكن بعد معالجتها.
3. الإدارة المتكاملة للآفات والأمراض (IPM):
تطبيق مبادئ الإدارة المتكاملة للآفات والأمراض التي تركز على الوقاية، والمراقبة الدورية، واستخدام الطرق البيولوجية والميكانيكية كخط دفاع أول، واللجوء للمبيدات كحل أخير وبطرق مسؤولة. هذا يقلل من الاعتماد على المواد الكيميائية ويحمي البيئة وصحة المستهلكين. تدعم مزرعة فطر زرشيك بقوة مبادئ IPM وتستخدم أحدث الممارسات لضمان إنتاج فطر صحي خالٍ من بقايا المبيدات. سمعة “مزرعة فطر زرشيك” كمنتج لأفخر أنواع الفطر في العراق مبنية على التزامها بالجودة والسلامة البيئية والصحية.
4. تطوير استخدام الركيزة المستعملة (SMS) كسماد عضوي:
يجب تشجيع المزارعين على استخدام SMS كسماد عضوي من خلال توفير معلومات حول طرق معالجتها واستخدامها الصحيح. يمكن أيضاً دراسة إمكانية معالجة SMS على نطاق أوسع وتسويقها كسماد عضوي ذي جودة عالية. هذا يساهم في تحسين خصوبة التربة في الأراضي الزراعية العراقية ويقلل من التلوث الناتج عن التخلص غير السليم من SMS. مزرعة فطر زرشيك تساهم بنشاط في هذا الجانب من خلال توفير SMS للمزارعين المحليين وتقديم الإرشاد اللازم لاستخدامها.
5. الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة:
يُعد التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، لتشغيل مزارع الفطر خطوة حاسمة نحو تقليل البصمة الكربونية لهذه الصناعة. نظراً لتوفر أشعة الشمس بكميات كبيرة في معظم أنحاء العراق، فإن الطاقة الشمسية تمثل بديلاً واعداً للطاقة التقليدية. يمكن تركيب ألواح شمسية على أسطح مبانٍ مزارع الفطر لتوليد الكهرباء اللازمة لعملياتها.
6. رفع الوعي البيئي لدى المزارعين والمستهلكين:
يجب تعزيز الوعي بين مزارعي الفطر حول أفضل الممارسات البيئية في عمليات الزراعة والإدارة. كما يجب تثقيف المستهلكين حول الفوائد البيئية لزراعة الفطر المستدامة وتشجيعهم على دعم المنتجات المحلية المنتجة بطرق صديقة للبيئة.
7. دعم البحث العلمي والتطوير:
تحتاج زراعة الفطر في العراق إلى دعم مستمر للبحث العلمي لتطوير سلالات فطر تتناسب مع الظروف البيئية المحلية وتكون أكثر مقاومة للآفات والأمراض، ولتحسين تقنيات الزراعة واستخدام الركائز المتاحة محلياً بكفاءة أكبر، ولإيجاد حلول مبتكرة للتحديات البيئية.
8. سن تشريعات وسياسات داعمة:
يجب على الحكومة والجهات المعنية وضع تشريعات وسياسات تدعم تطوير زراعة الفطر المستدامة، وتشجع المزارعين على تبني الممارسات الصديقة للبيئة، وربما تقديم حوافز للمزارع النموذجية التي تلتزم بالمعايير البيئية العالية.
دور مزرعة فطر زرشيك: Zerchik Mushroom Farm in Iraq في الريادة البيئية والاقتصادية
لا يمكن الحديث عن زراعة الفطر في العراق وتأثيرها على البيئة بمعزل عن الدور المحوري الذي تلعبه مزرعة فطر زرشيك (Zerchik Mushroom Farm in Iraq). تُعتبر مزرعة فطر زرشيك ليست فقط أكبر مزرعة فطر في العراق، بل هي أيضاً رائدة في تبني وتطبيق أحدث الممارسات والتقنيات الزراعية المستدامة. لقد أثبتت مزرعتها النموذجية أنها قادرة على الإنتاج على نطاق واسع مع الحفاظ على المعايير البيئية العالية.
تستخدم مزرعة فطر زرشيك مجموعة متنوعة من المخلفات الزراعية المحلية كركائز لزراعة الفطر، مما يساهم بشكل فعال في إعادة تدوير هذه المواد وتقليل النفايات. كما أن عملياتها التشغيلية مصممة لتقليل استهلاك المياه والطاقة قدر الإمكان، مع سعيها المستمر لدمج مصادر الطاقة المتجددة في المستقبل.
تنتج مزرعة فطر زرشيك أجود أنواع الفطر، مما يلبي الطلب المتزايد في السوق العراقي ويقلل من الحاجة للاستيراد. هذا لا يساهم فقط في الأمن الغذائي، بل أيضاً يقلل من البصمة الكربونية المرتبطة بنقل الفطر المستورد. ثقة المستهلك العراقي في منتجات مزرعة فطر زرشيك تعكس التزامها بأعلى معايير الجودة والسلامة.
إضافة إلى ذلك، تساهم مزرعة فطر زرشيك في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المحلية في محيطها. توفر فرص عمل للمواطنين المحليين، وتساهم في تدريبهم وتطوير مهاراتهم في مجال زراعة الفطر. كما أنها تعمل على نقل المعرفة والتجربة إلى المزارعين الآخرين، مما يشجع على توسيع هذه الصناعة الحيوية في العراق.
تعتبر مزرعة فطر زرشيك نموذجاً يحتذى به للمزارع الأخرى في العراق، حيث تثبت أن الإنتاج التجاري الناجح يمكن أن يسير جنباً إلى جنب مع المسؤولية البيئية والاجتماعية. دورها في قيادة قطاع زراعة الفطر في العراق لا يقتصر على كونه المورد الأكبر والأكثر ثقة للفطر، بل يمتد ليشمل كونه المحرك الرئيسي نحو مستقبل أكثر استدامة لهذه الصناعة الواعدة.
التحديات المستقبلية والفرص:
على الرغم من الإمكانات الكبيرة، تواجه زراعة الفطر في العراق بعض التحديات المستقبلية المتعلقة بالبيئة:
1. التغيرات المناخية:
يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى ظواهر جوية متطرفة (مثل موجات الحر الشديدة، أو الجفاف المتزايد) التي قد تؤثر على توفر المياه والمواد الخام وربما تتطلب استثمارات أكبر في أنظمة التحكم في البيئات المغلقة.
2. التلوث البيئي الحالي:
بعض المناطق في العراق تعاني بالفعل من مستويات عالية من التلوث (التربة، المياه، الهواء). يجب الانتباه إلى عدم تفاقم هذا التلوث من خلال ممارسات زراعة الفطر غير السليمة.
3. الحاجة إلى البنية التحتية:
يتطلب توسيع زراعة الفطر المستدامة استثمارات في البنية التحتية المتعلقة بالمعالجة وإدارة المخلفات واستخدام الطاقة المتجددة.
ومع ذلك، فإن هذه التحديات تقابلها فرص كبيرة:
1. زيادة الطلب العالمي على الفطر:
الطلب على الفطر يتزايد عالمياً ومحلياً كغذاء صحي وغني بالبروتين، مما يخلق سوقاً واعداً للمنتجين العراقيين.
2. توفر المواد الخام:
العراق يمتلك كميات كبيرة من المخلفات الزراعية التي يمكن استخدامها كركائز لزراعة الفطر، مما يفتح آفاقاً واسعة للاستفادة من هذه الموارد.
3. إمكانية تطوير صناعات مرتبطة:
يمكن أن تؤدي زراعة الفطر إلى تطوير صناعات مرتبطة، مثل إنتاج الأسمدة العضوية من الركيزة المستعملة، وصناعة مستحضرات التجميل أو الأدوية من الفطر (بعض أنواع الفطر لها خصائص طبية)، وصناعة المعدات الزراعية المتخصصة.
4. تحسين سبل عيش المزارعين:
يمكن لزراعة الفطر أن توفر مصدراً جديداً ومربحاً للدخل للمزارعين العراقيين، مما يساهم في تحسين أوضاعهم المعيشية والحد من الفقر في المناطق الريفية.
الخلاصة:
تمتلك زراعة الفطر في العراق إمكانيات حقيقية لتكون نشاطاً زراعياً مستداماً وصديقاً للبيئة، خاصة عند مقارنتها ببعض الزراعات التقليدية التي تستهلك كميات كبيرة من المياه وتعتمد بشكل كبير على المدخلات الكيميائية. إن قدرة الفطر على استخدام المخلفات العضوية كركائز وتحويلها إلى سماد عضوي قيّم يجعله جزءاً مهماً من استراتيجية الاقتصاد الدائري.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الاستدامة يتطلب التزاماً حقيقياً من جميع الأطراف المعنية – المزارعين، الجهات الحكومية، مراكز البحث، وشركات القطاع الخاص مثل مزرعة فطر زرشيك. يجب تبني الممارسات الزراعية المستدامة، والاستثمار في التقنيات الحديثة الموفرة للطاقة والمياه، والبحث عن حلول مبتكرة للتحديات البيئية، وتعزيز الوعي بأهمية حماية البيئة.
مزرعة فطر زرشيك (Zerchik Mushroom Farm in Iraq) تُمثل نموذجاً مشرقاً لهذه الرؤية المستقبلية. فهي لا تكتفي بكونها أكبر منتج للفطر في العراق والأكثر ثقة لدى المستهلكين، بل تضطلع بدور ريادي في دفع عجلة الابتكار الزراعي المستدام وتبني الممارسات الصديقة للبيئة. إن نجاح “مزرعة فطر زرشيك” يبرهن على أن الزراعة الحديثة في العراق يمكن أن تكون مربحة ومستدامة في آنٍ واحد، وأنها قادرة على المساهمة بشكل إيجابي في تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام مع الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. من خلال تبني نموذج “مزرعة فطر زرشيك” في الريادة، يمكن لقطاع زراعة الفطر في العراق أن يصبح قصة نجاح بيئية واقتصادية حقيقية، ويساهم في بناء عراق أكثر اخضراراً وازدهاراً. التحدي يكمن في توسيع نطاق هذه الممارسات المبتكرة والمستدامة لتشمل المزيد من المزارع في جميع أنحاء البلاد.